هكذا يتأثر تجّار الخليل بانتشار فيروس كورونا في الصين

تاريخ النشر
هكذا يتأثر تجّار الخليل بانتشار فيروس كورونا في الصين
تجار من الخليل في محالهم التجارية-تصوير أ ب

الخليل-أسوشيتدبرس-ترجمة خاصة-تبعد مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، عن بؤرة تفشي فيروس كورونا في الصين بأكثر من 4000 ميل وسلسلة من الحواجز الإسرائيلية، ولكن حتى هنا بدأت التأثيرات الاقتصادية لانتشار الفيروس بالظهور.
لطالما غمرت الأسواق الفلسطينية بالبضائع الصينية منخفضة التكلفة. ويخشى التجار في الخليل، أكبر مدينة فلسطينية ومركز الضفة التجاري، من أنه إذا استمرت جهود مكافحة انتشار الفيروس وإجراءات الحجر الصحي، فسيتعين عليهم التحول إلى بدائل أكثر كلفة، مما يرفع الأسعار على المستهلكين في اقتصاد يعاني من الركود.

وتشير مخاوفهم إلى احتمال حدوث تأثير واسع النطاق من انتشار الفيروس في الصين، أكبر مصدّر في العالم. 

وأثّرت الأزمة بالفعل على شركات السياحة والسفر العالمية، وهددت بتعطيل سلاسل الإمداد في جميع أنحاء العالم التي تعتمد على الصين. وإن اعتماد مدينة في عمق الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل على البضائع الصينية يوضّح مخاطر التكامل الاقتصادي العالمي.

ظهر الفيروس لأول مرة في كانون أول 2019 في مدينة ووهان بوسط الصين، وأطلق عليه مؤخراً إسم  "كوفيد-19".

منذ ذلك الحين، انتشر الفيروس - وهو نوع جديد من فيروس كورونا - إلى حوالي عشرين دولة وأصاب أكثر من 80 ألف شخص، وتسبب في وفاة أكثر من 2000 شخص، معظمهم في الصين. 

لم يتم كشف أي حالات حتى الآن في إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية، لكن التجار شعروا بالآثار السلبية ويخشون من أن الأسوأ لم يأت بعد.

سامر أبو عيشة، تاجر ملابس أطفال بالجملة في الخليل، يستورد من الصين منذ أكثر من عقدين. لديه تصريح من إسرائيل يسمح له بالسفر من مطار بن غوريون الدولي إلى مقاطعة غوانزهو الصينية كل شهرين حتى يتمكن من تقديم طلبيته للمصانع هناك والإشراف على الإنتاج.

لكن العمل توقف في الشهر الماضي مع انتشار الفيروس بوتيرة أكبر. وأوقفت إسرائيل والأردن جميع الرحلات الجوية إلى الصين، وتم تعليق الشحنات، ويقول أبو عيشة إن وكيله في الصين حبيس في منزله بسبب الحجر الصحي في البلاد.

إذا استمر الوضع، فسيتعين على التاجر أبو عيشة البحث عن خيارات أخرى. وتختلف التأثيرات من تجارة إلى أخرى، حيث يشعر البعض بالفعل بالضيق والبعض الآخر يستعد لتغيير خطوط الإمداد ورفع الأسعار  في الأشهر المقبلة.

وقال أبو عيشة: "يوجد بديل في تركيا، لكنه ليس نفس الشيء من حيث الجودة أو المصنعية أو السعر".

وأضاف: "إنه أمر صعب لأن جميع المواد الخام تأتي أيضًا من الصين، لذلك ستكون البضائع أكثر تكلفة".

ويقدّر أبو عيشة أنه سيتعين عليه رفع الأسعار بنسبة تصل إلى 30%، مما قد يشكّل صعوبات في السوق المحلي. 

وعرقلت القيود الإسرائيلية التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية لعقود، مما دفع العديد من الفلسطينيين إلى الاعتماد على الواردات منخفضة التكلفة.

"وضع الاقتصاد الفلسطيني مزري، يكاد يكون صفر أو أقل من الصفر"، يقول أبو عيشة.

بلال دويك، تاجر آخر من الخليل يستورد ملابس نسائية من الصين، كان من المفترض أن يسافر هناك في وقت لاحق من هذا الشهر، لكنه اضطر إلى إلغاء رحلته بسبب انتشار الفيروس. 

"إذا استمرت أزمة الفيروس فستنعكس على جميع أنحاء المنطقة"، يقول دويك.

ويضيف: "اقتصادات العالم العربي بأسره ليست منتجة، وبالتالي ليست مكتفية ذاتيا، وجميعها تعتمد على السلع المستوردة، خاصةً من الصين".

بدأ التجار الفلسطينيون يتدفقون على الصين في التسعينيات بعد أن سمحت اتفاقات أوسلو مع إسرائيل للسلطة الفلسطينية المنشأة حديثًا باتباع سياسة تجارية مستقلة.

تم استيراد بضائع صينية قيمتها أكثر من 33 مليون دولار عام 1998. وبعد عقد من الزمن تضاعف هذا الرقم إلى أربعة أضعاف، وفي عام 2018 وصل إجمالي الواردات من الصين إلى 425 مليون دولار، وفقًا لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني.

وتسببت الواردات في خسائر فادحة للشركات والمصانع المحلية، وخاصة صناعة الأحذية التي تشتهر في الخليل، والتي أنتجت حتى أحذية للجيش الإسرائيلي قبل أن يتحوّل الجيش إلى مورّد أمريكي قبل بضع سنوات.

عبده إدريس، رئيس غرفة تجارة الخليل، يقول إن عدد عمال مصانع الأحذية قد انخفض من 35 ألف عامل في منتصف التسعينيات إلى أقل من 8 آلاف اليوم.

"إن العالم متشابك، والعالم كله يعتمد على الصين ولم يظهر بعد أي بديل". يضيف إدريس.

شفاء أبو سعادة، مدير عام الصناعة في وزارة الاقتصاد، تقول إن حوالي 700 مصنع في الضفة الغربية وقطاع غزة قد أغلقت في التسعينيات وحدها. حاولت السلطة الفلسطينية وضع حد لذلك، من خلال فرض تعرفة تصل إلى 35% على السلع المستوردة، ولكن الواردات الصينية بأسعار التنافسية لا تزال تملأ الرفوف في المحلات.

يمكن رؤية تغلغل البضائع الصينية في سوق البلدة القديمة في الخليل، حيث تعج الأزقة الضيقة بمحال لبيع السيراميك والتطريز وغيرها من الهدايا التذكارية، التي يستورد الكثير منها.

يقول عبد الكريم الكركي إن حوالي نصف الهدايا التذكارية في متجره تأتي من الصين - حتى الكوفيات، وهي وشاح فلسطيني تقليدي كان يرتديه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ودائمًا ما اشتهر به.

يتم تصنيع منتجاته ذات الجودة العالية محليًا، غالبًا بواسطة حرفيين يشاركون في الصناعات التقليدية. لكن الخيارات الأقل تكلفة هي من الصين.

وذهب الكركي مؤخرًا إلى تاجر محلي لطلب المزيد من البضائع الصينية - ليجد أنها غير متوفرة. قال لي إن "الصين مغلقة. سيكون لذلك تأثير كبير على عملي إذا استمر الإغلاق".

وقال آخرون في البلدة القديمة إنهم يرحبون بخسارة الواردات الصينية، والتي يلقون باللوم عليها في تدمير الصناعات المحلية.

وقال مصباح الحموري الذي يمتلك محل مجوهرات في البلدة القديمة "الأحذية والأدوات الخشبية والمعادن والتطريز والألمنيوم، كل ذلك من الصين".

ويضيف إن جودتها "سيئة للغاية"، لكنه يقر بأنه يبيع البضائع الصينية لتلبية احتياجات الزبائن ذوي الدخل المحدود. وقال الحموري "إذا أغلقوا الصين لمدة مائة عام فسيكون ذلك مثالياً، لن ترى فقيرًا واحدًا هنا".